السياسي

لقاء روما: بين النفط والسلاح.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

لقاء روما: بين النفط والسلاح.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

لقاء روما: بين النفط والسلاح.. هل يعيد التاريخ نفسه؟ 

 

مرة أخرى تستقبل عاصمة أوروبية لقاء ليبيا خلف الأبواب المغلقة، هذه المرة في روما، حيث اجتمع إبراهيم الدبيبة، مستشار الأمن القومي وابن عم رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، مع صدام حفتر، نائب القائد العام في قوات شرق ليبيا والحاكم الفعلي هناك.

لم يكن اللقاء عابرا أو عفويا، بل كان لقاء مخططا له بعناية، واكتنفته السرية التامة فلم يعترف به أو يتحدث عنه أحد من أطرافه، بل إن بعض الأطراف اجتهدوا في الإشارة إلى عدم حدوثه دون التصريح بذلك. 

صحف إيطالية أكدت حضور مستشار البيت الأبيض لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بولس، الذي صادف وجوده في روما آنذاك، صدفة؟ أم أن اللقاء كان بمباركة دولية، كما حدث سابقا في أبوظبي؟

التوقيت نفسه يحمل الكثير من الدلالات، فالعاصمة طرابلس تشهد استنفارا أمنيا غير مسبوق، تحركات عسكرية متسارعة بين قوات موالية للحكومة وأخرى معارضة، وتهديدات بالاشتباكات التي قد تندلع في أي لحظة، مع دعم عسكري غير معلن، ودعم إعلامي واضح من معسكر حفتر لقوة الردع الخاصة وحلفائها المناوئين للحكومة، فهل ناقش الرجلان هذا الملف؟ أم أن الأمن كان مجرد غطاء لصفقة أكبر؟ 

قبل أيام فقط، طرحت هانا تيتيه، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خريطة طريق جديدة تتوج بتشكيل حكومة جديدة تقود البلاد للانتخابات التي طال انتظارها، وهي فكرة ترفضها الحكومة في طرابلس رغم ترحيبها الظاهري بخريطة تيتيه، وتعيد تأكيدها كما أكدت سابقا أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، فهل كان لقاء روما محاولة لقطع الطريق على خطة الأمم المتحدة؟ هل يسعى الطرفان إلى ترتيب أوضاعهما عبر تعديل وزاري يضمن لهما تقاسم السلطة وبالتالي بقاءهما في المشهد، حتى لو تأجلت الانتخابات إلى ما لا نهاية؟ 

الملف الآخر الذي يفرض نفسه بثقل هو النفط، فقد تزامن اللقاء مع اقتراح قد يصفه البعض بالـ (مثير للجدل) من المؤسسة الوطنية للنفط – برئاسة مسعود سليمان – لإنشاء شركة جديدة باسم "جليانة"، مقرها بنغازي، شركة ستتولى تطوير الاكتشافات الغازية بالشراكة مع ائتلاف دولي يضم إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وأدنوك الإماراتية ومؤسسة النفط التركية.

مشروع يهدف – بحسب المراسلة الرسمية التي وجهها مسعود سليمان إلى عبد الحميد الدبيبة – إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز والتخلي عن استخدام الديزل المكلف في توليد الكهرباء، لكن التسريبات تؤكد أن مجلس الوزراء لم يعتمد بعد إنشاء هذه الشركة، فهل ناقش الرجلان مصير "جليانة"؟ هل ستكون "أركنو" جديدة؟ مشروعا مشتركا بين العائلتين، كما حدث سابقا عندما أعيد فتح الحقول النفطية بعد لقاء أبوظبي، وتم تعيين فرحات بن قدارة رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط بطلب من معسكر حفتر؟ 

عند التفكير في هذا اللقاء، وفيما أحيط به من سرية؛ فإن الأسئلة تطاردك مثل ظلك؛ هل كان النفط والغاز وشركة جليانة هي المحرك الرئيسي للقاء؟ أم أن التصعيد العسكري في العاصمة وموقف معسكر حفتر منه، هو ما فرض نفسه؟ أم أن اللقاء جزء من ترتيبات أكبر لتقاسم السلطة ومحاولة قطع الطريق على مرحلة ما بعد إحاطة تيتيه أمام مجلس الأمن؟ 

التاريخ يعلمنا أن اللقاءات السرية بين العائلتين لم تكن أبدا لصالح الوطن أو الشعب، بل كانت دائما لترتيب ورقة جديدة في لعبة تقاسم السلطة والثروة، كل لقاء يزيد من شرعيتهما ويعمق من انقسام البلاد ويبعدها أكثر عن أي أمل في الانتخابات أو الدولة المدنية.

هل يتم الاتفاق على إجراء انتخابات تجدد الشرعية المهترئة؟ أم أن البلاد ستبقى رهينة لطموحات العائلتين في الاستفراد بالحكم؟ اتفاق في الباطن على تقاسم الكعكة اليوم، قبل أن يتمكن أحدهما من إقصاء الآخر والحالمين الآخرين غدا. 

اللقاء في روما قد يكون مجرد حلقة جديدة في مسلسل طويل يعيش الليبيون أحداثه ولا يعرفون نهايته، لكنهم يعرفون جيدا –بحكم التجربة- أن أي اتفاق بين العائلتين لا يحمل لهم إلا مزيدا من الانقسام والاصطفاف والاستقطاب والتهميش والضياع.

وفي النهاية نقول؛ سواء ألتقى إبراهيم وصدام في روما أم لم يلتقيا، سواء أتفقا على صفقة تطيل عمر عائلتيهما أم لم يتفقا، سيبقى هذان الشخصان وعائلتاهما في السلطة غربا وشرقا، يتقاسمان المنافع ويتبادلان الشتائم، ويبقى الشعب الذي يعاني من انقطاع الكهرباء، وغياب الدواء، وانهيار الخدمات، وخيبة الأمل، الخاسر الوحيد من اتفاقهما واختلافهما، فإن اتفقا سرقوه وإن اختلفا قتلوه