هل تعلم ان ليبيا تُشبه أمريكا؟ (نهاية المطاف)
الوضع السياسي والأمني في ليبيا يعكس تعقيدًا بالغًا ينبع من الصراعات الداخلية وتداخل المصالح الخارجية. الأزمة الليبية، منذ سقوط نظام القذافي في 2011، تُدار عبر شبكة من التحالفات المؤقتة والانقسامات العميقة التي ساهمت في خلق حالة من الفوضى والشلل السياسي. ويمكن تحليل هذا الوضع من خلال ثلاثة محاور رئيسية.
على غرار الولايات المتحدة، تمتلك ليبيا نسخة خاصة من (الدولة العميقة)، لكن طبيعتها تختلف. تتكون هذه الدولة من تحالفات بين قادة الميليشيات، وشيوخ القبائل، ورجال الأعمال الذين استفادوا من حالة الفوضى لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، أيضا عجز المؤسسات الرسمية مثل حكومة الوحدة الوطنية أو مجلس النواب عن فرض سيطرتها الكاملة يعود إلى تغلغل تلك الأطراف غير الرسمية في مفاصل الدولة، هذه التحالفات تُذكّرنا باللولبيات في أمريكا، لكنها أكثر تفككًا وأقل مركزية، ما يجعل الوضع الليبي أقرب إلى تنازع المصالح الفردية عوضا عن إدارة مصالح مشتركة.
الجيش الليبي يعاني الانقسام بين شرق البلاد وغربها. ففي الغرب، تسيطر ميليشيات تتبع حكومة الوحدة الوطنية، لكنها ليست موحدة فعليًا، وتعمل وفقًا لمصالح متضاربة. وفي الشرق، نجد قوات يقودها الجنرال خليفة حفتر، لكنها تواجه تحديات في فرض نفوذها على كامل الأراضي الليبية.
على المستوى السياسي، يُشبه الوضع الليبي القيادة الأمريكية عندما تُحاصرها التوازنات المؤسسية. عقيلة صالح أو محمد المنفي يمتلكان ألقابًا رسمية كرؤساء للمجلس الرئاسي أو مجلس النواب، لكنهما عاجزان عن إصدار أوامر فعالة تحرك الجيش أو توحده، هذا الوضع يُبرز التناقض بين الصلاحيات النظرية والقدرة الفعلية على اتخاذ القرارات، ما يُشبه عجز الرئيس الأمريكي عن فرض سيطرته الكاملة على الجيش رغم سلطاته الدستورية.
واحدة من أبرز معالم الأزمة الليبية هي حالة الشلل السياسي التي تعاني منها مؤسسات الدولة. الصراع بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس يعكس فشلًا متكررًا في إقرار قوانين أو التوصل إلى تسويات شاملة، عملية "المقايضة" التي تُستخدم في السياسة الأمريكية (حيث يربط المشرعون موافقتهم على قانون معين بتمرير قانون آخر)، تُمارَس في ليبيا بشكل بدائي، حيث تُستخدم ملفات مثل النفط، التعيينات الحكومية، أو حتى ميزانية الدولة كورقة ضغط سياسي، عوضا عن أن تُحل هذه الخلافات من خلال الحوار الوطني، تتحول إلى معارك جانبية تُعرقل أي تقدم، تمامًا كما يحدث في الكونغرس الأمريكي عندما تُشلّ العمليات التشريعية بسبب الخلافات الحزبية.
الجماعات المسلحة في ليبيا تُشبه مليشيات الشارع في أمريكا إذا أردنا إسقاطًا مجازيًا حيث تمتلك هذه الجماعات أسلحة متوسطة وثقيلة، لكنها تعتمد على مصادر تمويل غير مستقرة، مثل تهريب الوقود، أو الدعم الخارجي. أما اللوبيات الاقتصادية التي تدعم الميليشيات القوية في أمريكا، نجد أن بعض الميليشيات الليبية تتلقى دعمًا مباشرًا من دول خارجية، مثل تركيا، روسيا، مما يعزز نفوذها، كما أن الميليشيات الأمريكية المحلية عاجزة عن مواجهة مليشيات اللوبيات الكبرى، فإن ميليشيات الأطراف الليبية الأقل دعمًا لا تستطيع مواجهة القوات الكبرى المدعومة دوليًا، ما يؤدي إلى اختلال ميزان القوة لصالح جهات معينة.
كما أن الحالة الليبية تشبه أمريكا في سيناريوهات أخرى حيث يؤدي الانقسام السياسي إلى شلل كامل في عمل الدولة، لكن مع اختلاف رئيسي حيث ليبيا لا تملك مؤسسات قوية قادرة على الصمود مثل أمريكا، الانقسامات الداخلية وغياب القيادة الموحدة في ليبيا ساهما في إطالة أمد الأزمة، حيث تُدار البلاد حاليًا بآليات مؤقتة غير مستدامة.
كلما تأخرت التسويات السياسية في ليبيا، زادت احتمالية تفكك الدولة إلى مناطق نفوذ شبه مستقلة، وهو خطر مشابه لما قد يحدث في أمريكا إذا انفلتت الأمور هناك، الوضع في ليبيا يقدم مثالًا حقيقيًا لما قد تبدو عليه دولة تتفكك بسبب غياب القيادة الموحدة وتغلغل المصالح الشخصية والجماعية في مؤسساتها. بينما أمريكا تمتلك مؤسسات راسخة تستطيع امتصاص الصدمات، فإن ليبيا تفتقر إلى هذه الحصانة، ما يجعلها أكثر عرضة للتفتت إذا استمر الوضع على حاله.